زَوْرَقُ الإيمانْ
شعر: محمود إبراهيم الكسواني

لنجوم الليل إذا انكسرتْ
في البحر نَغَمْ
يهتزُّ الموجُ فيكسوها أنسامَ حنانْ
ألقي أذنيكْ
وأقم عينيكَ
وإحساسَ البِلَّوْرِ لديكَ
وكُنْهُمْ
للهمَساتِ خَدَمْ

يا مُدْمِنَ نخل ستائرهِ
أنصتْ لليل إذا عَسْعَسْ
- يا ساكنَ حضنَ البحرِ
أَلَمْ يَفْطُمْكْ؟!
أنا لست أنا في البحرِ,أنا النورسْ..
نومُ الاسفَنجِ, أنا الزورقْ
فارفع أعلامك أقماراً
فوق صَواريهِ
ليراها النورسُ يتبعُنا
ويغادرُ صمتَ الشطآنْ..

ما بين النفس وبين الأفقِ
سنبصر كل الألوانْ
فلكل طريق ضوء هدىً
ولكل زمان لون زمانْ
وسنكشف أسرار الآياتِ
ونوقظ أزهار الريحانْ
وسنسمع تنهيد الأصدافِ
توشوش أسماك المَرجانْ

ناداكَ الزورق والمجدافْ
تعالَ
تعالَ, أريكَ شؤونَ اللهِ بليلٍ
يرصفُ لؤلُؤَهُ
بمداد النورِ
بروجَ ضياءْ..
قنديلٌ يردفُ قنديلاً
سِرْبَاً يستلقي في الماءْ..
من كان يحب ركوب البحر سيتبعُنا
وسيأتي من تلك الخُلجانْ
من صخب الوديانْ
وسيأتي النهرُ, ويأتي الصخرُ,وتأتي
كلُّ ثلوج القممِ
تُشيِّعُها الغزلانْ..

ليلي شَبِمُ النسماتْ
والبحر لياقوت الليل وعاءْ..
عذراءُ جزيرةُ كلماتي
بَحْريِ في كل مكانْ
أتَشَمّسُ في الزورق غُصناً
بنجومٍ تتخَيَّرُ ألوانْ
  فلكلِّ طريقِ ضَوْءُ هُدىً
ولكل زمانٍ لونُ زمانْ

هذا ابحاريَ في الأسماءِ
وفي الأضواء
وفي آيات الرحمنْ
الأولُّ
ليس له زمنٌ
الآخرُ من دون زمانْ
الظاهرُ
لا يسكنُ بصراً
الباطنُ عن كلِّ مكانْ
ربُّك خَلَّاقُ الأكوانْ

في بسمة طفل تعرفهُ
في لحظة حزن تنشدُهُ
في صفوة فكر تدركهُ


في خوف الرعد من البرقِ
وهروب البرق من الصعقِ

في نفسٍ تَسْكُن زوجينْ
وزواجٍ يُسْكِنُ نفسينْ

في قبض جناح للنحلِ
في بسط ظهور للخيلِ
في رعشة حقل للمطرِ
مطرٌ قدرٌ
مطر خطًرُ

في نهرٍ يجرِف أشجاراً
في شجر يسمو بإباءِ
في إِبِلٍ تحملُ آباراً
في بئر جفتْ من ماءِ


في ذوبانِ شموعِ الثلجِ
في حجر يتفجَّر نبعاً
أو حجرٍ قاسٍ أو شَجِّ

في نصلٍ يقذفهُ نحلٌ
في نحلٍ يَشفي الأنصَالْ
في ريح تحمل أحجاراً
في حجر في وجه رياحْ
في صبح يتنفس فجراً
في فجر ينزف بصباحْ

في بيضٍ للسَمَكِ الهادي
يفقُسُ في جبلٍ ووهَادِ
يصحو من جهلٍ وسباتٍ
يقطع شلاّلَاتِ الوادي
فجراً, ليلاً,جبلاً , تلاً
ملتمساً بحرً الأجدادِ
من عَلمّهُ؟!
من كان لرحلته الهادي؟!

في نمل يستسقي لبناً
من نملٍ شيمتهُ الحلبُ
يسلبه بيضاً ,يحملهُ
من شجرٍ
من كهف نباتِ
يفقُس نملاً
يرعاها
يكرم منزلها
يدنيها
كَبَنيهِ بَنيِها
يحميها , يصبح راعيها
أبقاراً يَرضعُ ما فيها!

من غير المعطي يعطيها؟
من غير الكافي يكفيها؟

أو نملٍ يبني مزرعةً
يعزلها ,عمَّا يؤذيها
يحرُثها
يبذرها فِطْراً
يحرسها
يتسامرُ فيها
فإذا جاء الموسم خصباً
يحصدُ , ينعمُ بمراعيها
من ألهمه أن يعمرها؟
ومن الزارعُ ؟
من غير القادر يسقيها؟

وانظر لحياة في مرضٍ
في موت لا من أمراضِ
في فرحة أم بوليدٍ
وبصرخة أم بوِلَادِ
صرختْ, وبكتْ, ثم انهمكتْ
في ضحكٍ من بعد مخاضِ

قد كنت هناكَ
تُفَجِّرُ نَبعَ دِمَاكَ
أإلهٌ غير الله بظلمة حملكَ
كان حماك؟!!
ويحوطُك قلبُ الأمّ سوارْ
يمنحكَ الحُّبَّ وتمنحُهُ
هل أنت المنشيءَ للقلبينِ ؟ , وللنبضينِ؟
وللحُبَّيْنِ أم الخلاّقُ
بكل الحب حَبَاكْ؟

وانظرْ في آثار الماضي
في أممٍ كانت في الماضي
قد دُثِروا , َوَهُنَّ مواضِ
وانقرضوا
ليكونوا ماضي
لا نحن نُماشي ماضينا
وسنصبح يوما في الماضي

أنصتْ لأناملِ مجدافكِ
تتنهدُ مرهفةَ الحِسِّ
مرهقةً فوق الشطآنْ

أسرج باللغة الكونية قلبكَ
أنصتْ
أنصت للأسماءْ
أحدٌ
صمدٌ
حق ربُّكَ
كوَّر ليلا فوق نهارْ
هل غير الرحمن إلهٌ
ينبت في العين الاِبصارْ
أم غير الرحمن إلهٌ
مهَّدَ في الموج الأسفارْ
أمْ مَنْ دون الله عظيمٌ
ألبس لليل الأستارْ؟!!!

ليس كمثل الله مثالٌ
أنصتْ لصفاء الأفكارْ
الريح بيده والزورقْ
يُسْكِنُها , زمناً
يحبِسُها
بين الماءِ وبين النارْ
طوراً يرسلُها كنسيمٍ
طوراً يرسلها إعصارْ
أو يبلعُها البحرُ
فتمضي
في الهيجاء
هباءْ هباءْ




هل غير الرحمن إلهٌ
يجمع أضداد الأكوانْ؟!
للذئبة قلب مختلفٌ
حين تجلِّيه الأبصارْ
يلهو حيناً
ويئن حنينْ
للذئبة بيت ودثارٌ
ولها في الليل حكايا النومِ
وقسطٌ من نُسكِ الأبرارْ
تلك هي الأُمُّ العصفورةُ
و الأُمُّ الذئبةُ
و الأُمُّ الانسانْ
كيف تساوت حباً وحناناً
واختلفت طبعاً ولسانْ؟..
في قلب الذئبة ضدانْ
جيشٌ للحربِ
ودالـيـةٌ يتـفيأُ تحت خمــائلها الرُّمَّــَانْ