وكتب أبياتا أخرى مداعبا، مشيرا لقولي في الرسالة التي قبل هذه: فلا ملام على اغتلام إلى آخره:
يـا كريمـا عــز وصفــا وعظيمــا جـــل ألفـــا
أنـت أولـى بالوفــا مــن كـل مــن بالعهــد وفَّــى
فاجمـع الشمـل كمــا قــد بهـت أكـرم صـاح ضيفــا
إنمـــا ينفـــع إلــــف إلفــه فــي ذاك عرفـــا
هكــذا المزحـــة ظنـــا بــل يقينــا بــك يلفــا
إنــك المــرء احتمـــالا شأنهــا عنـــدك خفـــا
فلتكــن ساكـــن بـــال ذو النهــى إن هــم عفــا
كيــف لا والشيــب عــال رأســه والمـــاء جفـــا
لكــن الأليـــق حـــزم يومــن المحــذار خوفــا
فاستــرب مــن يتزكـــى واحــذر المألــوف ألفـــا
فأجبته بقولي، مضمنا حكاية تحكى على لسان حال الفخ في خدعته الطيور كي يصيدهم، مظهرا شحوبه ونحوله حتى يتمكن منها:
أحكــم الواضــع وصفــا وسقــى روحــي صرفــا
بمعـــــان لمعـــــان قربــت للحـــب زلفـــا
شافعــــات لغـــــرام أكسـب الأعضــاء رخفــا
قائلــــات خاتلـــــات ذو النهــى إن هــم عفــا
أكـــد الختـــل بقـــول نســف الأوهــام نسفـــا
فاستــرب مــن يتزكـــى واحــذر المالــوف ألفـــا
وفيـــــه توريــــــة إذ قلــب خـــف فخـــا
فتذكــر قـــول شيـــخ قلبـــه للصيـــد خفـــا
إذ أتتــــه حائمـــــات فأراهــا منهــا ضعفـــا
وانكســـارا وشحوبــــا وإلــى الفرصــة خفـــا
أتـــرى أنـــي غـــر لـم أر فـي الحـرب زحفــا
أتـــرى أنـــك ســـال عــن غــزال رق ظرفــا
تضـع الأسـرار فـي القــل ب فمــا تنفعــك رصفــا
فـــإذا صـــار أمامـــا صـارت الــأرداف خلفــا
كيــف ترجــون سلـــوا ذاتكــم بالحــب عجفـــا
ذا محـــال ذا مجــــال أدهــش الأبطــال خوفــا
أذعنــوا للأســر قســـرا لفظــوا ترســا وسيفـــا
دع بنيـــات الطريــــق واسلـك الجـد جـد تشفــى
واغتنــم ساعــات أنــس واخطـف اللــذات خطفــا
لا يــرى للصــب شــيء مـن رضـى المحبـوب أشفـا
(دمـت فـي عيــش هنــي لا تـرى فـي الدهـر عنفــا
رافعـا فــي كــل حيــن عـن حبيـب القلـب سجفـا)
وقد آن أن نقلع عن الهدر والهزل، وما جلبناه من حطبه الجزل، وما فات منا رسمناه فقصدنا به علم الله لقارئه التأنيس، لا تمذهبا بمذهب إبليس، والله تعالى ولي المغفرة في الدنيا والآخرة، ونلجأ إلى الله تعالى بالأوبه، ونضرع إليه في قبول التوبة وغفران الحوبه، وأن يفرج عن النفس بحط أثقال أوزارها كل كربه، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى، ليكون ذلك عنوان الرضى وعلامة عفوه عما مضى، إنه ولي ذلك بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وها أنا أقف مواقف الخجل والتقصير، وأضرع إلى الله العلي الكبير بجاه البشير النذير، أن يجعله حجا مبرورا وسعيا خالصا مشكورا، وعملا صالحا متقبلا في دفاتر أعمالنا مرسوما، ونرغب إلى من كسبه أو كتبه، أو قرأه أو طالعه أو تأمله أو راجعه، من إخواننا المؤمنين وأوليائنا الموقنين، أن ينظره بعين الرضى والتجاوز والصفح والإغضا، لا بعين الانتقاد والاعتراض والسخط،
واعلــم بأنــك إن طلبــت مهذبــا رمــت الشطـــط
وأن يخلصوا نياتهم في التأمين على هذا الدعاء، إن أعمل كل منهم شفاعتنا إليهم في ذلك ورعا، اللهم أهلنا ومالنا وأهلنا وبالنا لحسن العاقبة وحسن العافية، وحنانك وجنانك وخيرك وجبرك، واسترنا ولا تسبرنا وكن لنا كلنا وتولنا، ونولنا من أثقال الأنفال لا أنفال الأثقال ما تسرنا وتسترنا به، ولا تحرمنا فتخرمنا أو تعوقنا فتفوقنا رفقاؤنا ورقباؤنا، بحق فضلك وفضل حقك، آمين آمين، وأختم ذلك بقول بعض الموفقين وعباد الله المتقين، في مدح رسول رب العالمين وخير خلق الله أجمعين:
إن كنـت تسـل أيــن قــد ر محمــد بيــن الأنـــام
فاصــغ إلـــى آياتـــه تظفـر برأيـك فـي الــأوام
أكــرم بعبـــد سلمـــت تقديمــه الرســل الكــرام
فــي حضــرة للقــدس وا فاهــا بعـــز واحتـــرام
صفــوا وصلــوا خلفـــه إن الجماعـــة بالإمــــام
للشهــب نـــور بيـــن والفضــل للقمــر التمــام
سلــك النبــوءة باهـــر وبأحمــد ختــم النظـــام
هــذا الكتـــاب دلالـــة تبقـى إلــى يــوم القيــام
شهـدت لـه مـن بعـد عـج ز ألســن اللــد الخصــام
خيـر الـورى وأجــل آيــا ت لــه خيـــر الكلـــام
فعليــه مــن رب الــورى أزكـى صلـاة مــع سلــام
اللهم اختم لنا بما ختمت به لأحبابك، وقربنا من أعتابك ولا تطردنا من بابك، وتجاوز عنا يوم الجزاء والحساب، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، واكفنا أمر الدنيا وأحوالها والآخرة وأهوالها، ووفقنا لما ترضى به عنا، ولا تواخذنا إن نسينا أو أخطأنا، واحشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين