و هذا تقريظ منقول من تأليف لمحمد المعطى الشرقي رضي الله عنه جمع فيه التقريظات التي قرظت بها ذخيرته، مع المكاتب التي كان يكاتب بها من فاس و مكناس و الرباط و غيرها من المدن المغربية و غيرها.
و نص ما نقله هناك بين مكاتبات الأعلام من أهل فاس ، فمن ذلك مكاتبة للفقيه المتفنن في أنواع العلوم المتبرج أبي عبد الله سيدي محمد سكيرج و نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا و مولانا محمد المصطفى الكريم. أما بعد ، فإن أولى ما تحلى به جيد الطروس و خطه ليل مدامها في نهار بياضها، و تحلت بإيراده النفوس، ففازت بنيل مناها و حصول أغراضها ، إسم مولانا القدوس، الموجود بجواهر الموجودات و أعراضها ، العالم بكل مدرك و محسوس ، الخبير بطاعة المخلوقات وأعراضها ، مطلق ألسنة المحبين بذكره ، وموردهم مناهل حكمه و سره ، و مصطفيهم باجتناب نواهيه و اتباع أمره ، و منور أفئدتهم بمحبة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم شمس العالم و بدره ، فقضايا نعمه مسورة بكل الشكر، منتخبة للتمسك بها مزيد إفضال و بر ، لا إله إلا هو العلي الكبير، نعم المولى و نعم النصير.
فسبحانه من منعم تفضل علينا بسيد الوجود ، منزع اللطائف العرفانية، و منبع العوارف الربانية، و عين السماحة و الجود ، سيد البشر على الإطلاق، و أفضل الخلق بإطباق ، سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم و شرف مآثر شريعته، و عظم كيمياء المعاني و إكسيرها، وقوت قلوب المحبين و تنويرها ، القائل معربا عن الإختصاص و الحصر : " أنا سيد ولد آدم و لا فخر " ، أشهر الأعلام و أعرفها، و أرحم البرية بالمؤمنين و أرأفها ، المتخلي عن زهرة الدنيا و زخرفها، و الحال من أوفر المقامات بأشرفها ، أرسله الله بالهدى و بعثه شهيدا ، فأوضح الشريعة البيضاء و مهدها تمهيدا ، و قام بأعباء الرسالة وصبر ، و بعد أن غفر له قام الليالي وشكر ، فكم بات يتهجد و الناس هجوع ، و لازم الإجلال لمولاه و الخشوع و الخضوع.
نبي لو ركب المحب في أمداحه كل صعب و ذلول ، لعجز عن إدراك آياتها التي تشهد بإعجازها العقول . فحق أن يقصر الإستحسان عليها، و يجعل من المناهج الموصلة إليها . و لله در القائل:
فيا له من رسول لولاه لم تخرج الدنيا من العدم ، و لا ثبت لشخص في بسيطة المناقب قدم . فكم تصدى لكشف أسرار معجزاته أفراد سبق، ففوج غرب و فوج شرق، و كل أخرج ما في رفده، و قدح في تحصيل المزية نار زنده ، فما عللوا بإنشادهم عليلا، و لا شفوا المحب غليلا ، إلا أنه دل على خباياها شمس أفق العرفان، الذي أربى في الفصاحة على صدر الأفاضل و قس و سحبان، عين الطريقة، المتسم بعلمي الشريعة و الحقيقة، المتعزز بكل عز وفخار، ومهابة أزلية و جلالة و وقار، وارث السر عن أسلافه الكرام، الذين أحرزوا من السعادة أوفر مرام، و حلوا من أفق المجادة بأكمل مقام ، القطب الواضح، ذو العز الكامل اللائح، و الفخار الظاهر الراجح، السالك الصفي الناصح، سيدنا المعطي ابن سيدنا صالح، ابن السادات الأقطاب الواصلين، العالمين العاملين الفاضلين ، حياهم الله بآلائه، و أفاض عليهم سجال نعمائه.
فلعمري إنها لشنشنة أخزمية، و همة في اقتفاء الأثر عمرية عدوية، و إنه الإمام الذي كشفت له مخدارت المديح النقاب، و خاطبته دونك و إيانا فما يمنعك حجاب ، فأظهر من يواقيتها ما بطن، و هصر على ما غاب منها و كمن ، فما ثنى عنانه عنها من رآها ، و لا رفع من قام بحقيقتها لسواها.
و كل ما أدرج في ذخيرته عن رسول الله روى ، فجدير بأن لا ينطق عن الهوى . لسانه في مديحه مصروف، و لسان غيره مقبوض مكفوف ، إذ كم رامها غيره فما كحلت له عن إثميدها طرفا، و لا لاك من طعمها لبابا، و لا فتحت له إذا مها بابا، و لا سمع لها عن خطابه جوابا، و لا ملأت له من قراها وفاضا، و لا نهل من موردها حياضا، و متى حام بحملها ولته إعراضا.
فقد خطت شواهده في صفحة الدهر أنه نسيج وحده، و صاحب المزية التي لا يدركها إلا من ضاهاه في شوقه و وجده ، و حياه داعي محبوبه بائتلاف الوصول و شهده، فتساوى عنده حال نومه و شهده، نثر فأعرب و أغرب، و نظم فأتقن و أحكم و أطرب ، فمن أراد أن لا يتغالا، ولا يقول في جانبه محالا، هكذا هكذا و إلا فلا لا.
فحقيق بنفس تعلقت بسر الوجود أن تغوص في بحار مديحه، و تختار من دررها في مستحسن المنظر و مليحه ، و تسبح لغاياتها فتجتاز من ضنك المسلك و فسيحه، لتأتي منها ببليغ النظم والنثر و فصيحه.
فلله ما أجلها من حكم تلألأ في أفق المجادة نورها ، و أجملها من نعم بأمداح خاتم الإرسال تم ظهورها، و تتابع في سائر الأزمنة سرورها، و كمل للصادر و الوارد حبورها . و يا له من ممدوح لا يدرك الواصف خصائصه، و متى برز فرد من أفرادها رأيت العيون لبهجته شاخصة، والأفكار لجلالته رامصة . و يا له من درر سمح بها فكر خضم التقى، ومحاسن فقر من خالص المعاني تنتقى، و رياض إمداد بواكف المنن تسقى، بزغت في أفق المعاني شمسا و تحلت بخلال أشرف العالمين أصلا و أزكاهم نفسا . و لله در القائل:
نهل رضي الله عنه من عين المحبة زلالا ، و تجلت له حقائق الأمور فتاه دلالا، فجعل يتنعم في محاسنها تنعم مراد، و يتمثل بقول مولانا تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ، وشرب من رحيق الوداد كأس الأماني، و رأى عساكر الوصول تتقدمها بشائر التهاني، فانكشفت له الحقائق على ما هي عليه انكشافا لا يحتمل النقيض ، و تجلى في برودها فنبي عن كل شريف و حضيض، وتصاغر لعزته كل وصول أروع، و تقهقر عن معارضته كل قول مصقع.
و لما عاين خديمكم ما انطوى عليه كشحها ، عن له أن من الواجب عليه مدحها ، فأقام متطفلا على بابها عالما أنه ليس من خطابها و طلابها ، غير أن عين رضاكم تمنحه قبولا، و تلاحظ صحبة الجد فتورثه وصولا ، و لما تألق لي برق محياها و أبصرته، حياني داعي الشوق فلبيته، و أجبت دعوته و أنشدته: