أما بعد, فعزاء أيها السادات القادات في المصاب الذي قصم الظهر وأظلم أيام الدهر وفتت الأكباد وكاد يبيد العباد.

أسفا على ذاك الجمال تقلصت   أفياؤه وعهدن خير رواق

أسفا على ثبير الخصوصية والولاية ورضوى السؤدد والعناية, أسفا على ركن المجد, أسفا على كعبة التقى والجد, أسفا على الأسد الورد في الصدر والورد, أسفا على بقية صالح السلف, أسفا على سيد الخلف, اسفا على يتيمة الدهر في السر والجهر, أسفا على روض المعارف وذبوله, أسفا على تصويح ربيع العوارف ومحوله, لقد تنكرت حتى الشهب لفراقه, وأغمد الصبح نور إشراقه, ومزقت الريح صدارا, وصارت الأهلة لاتعرف أبدارا, ولبست الأيام قميصة الحزن, وبكته الخضراء بأدمع المزن, وانفصم من الثريا سوارها وانكسفت من الشمس أنوارها.

والشمس في كبد السماء مريضة   والأرض واجفة تكاد تمور

فيا دافنيه كيف سويتم عليه الرغام, أو لم تنكروا على الشمس أن تغام, هيهات لقد سمحتم بإقبار من طبق الدنيا بطيب الأخبار, وإلحاد من لا نزاع في فضله ولا إلحاد, ويا ضريحه كيف وجدت ريحه, لو علمت من بين جنبيك راقد لعلوات على السهى والفراقد, ويا حامليه كيف حملتم الطود الأعظم وجعلتم على الكواهل البحر الغطمطم.

إن تحملوه على الكواهل طالما   قد كان محمولا على الأحداق

ذهب إلى ما وعده به ربه من البشرى وغادر القلوب في أيدي الأحزان أسرى.

عجبت وقد ودعته كيف لم أمت   وكيف انثنت بعد الوداع يدي معي
فيا مقلتي العبرى عليه اسكبي دما   وياكبدب الحرى عليه تقطعي

إنا لله   وإنا إليه راجعون, وبما قضاه الله سبحانه راضون, كل شيء هالك إلا وجهه, له الحكم وإليه ترجعون.
اللهم إنا نسالك لنا ولأحبائنا وإخواننا طمانينة نهدأ بها من هذا الورع العظيم على النفوس, وسكينة لاتغادر في قلوبنا مثقال ذرة من البوس, اللهم وأعل درجات فقيدنا السيد الإمام, واجزه عنا أفضل ما جازيت به خاصة الخاصة من أوليائك سادات الأنام, ولاتجعل يا مولانا بين أرواحنا وروحه فصلا, واجعلنا إلهنا ممن حاز في مضمار محبته خصلا, بجاه غمام المتقين وقدوة العالمين وسيد الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم, ومجد وعظم.