أريحا سرت بين الحدائق والنهر   معنبرة الأذيال من نفحة الزهر
وبانت بوادي الغدر تسحب ذيلها   وللصبح غارات على الأنجم الزهر
وزارت رياض الحزن والظل قد غدا   يقلدها عقدا نفيسا من الدر
ومرت على أكناف دارين فانثنت   تفاوح عرف المسك والعنبر الشحري
إذا ملت نحو الغرب يوما فبلغني   تحية مشتاق إلى ابن أبي عمر
خليلي ومن صافيته الود في الهوى   وارعى له في السر عهدي وفي الجهر
واهتاج شوقا إن سرى الركب نحوهم   وأهفو كما تهفو الحمائم للوكر
وقصي عليه ما لقيت من النوى   غداة استقلوا والركاب بهم تسري
وأني على العهد القديم لثابت   وحاشى لعهدي أن يحول إلى غدر
وفرط اشتياقي نحوه وتذكري   لأيامنا اللاتي غدت غرة الدهر
زمان الصبا إذ عيشنا الغض رائق   يرف رفيف الزهر في عقب القطر
وإذ نحن في ظل من العز وارف   وغصن الصبا يهتز في حلل خضر
وقولي له لا تنس ما كان بيننا   فحفظ عهود الود من شيم الحر
وعرج على ربع الدلاء وحيه   تحية مشبوب الجوانح والصدر
يمينا لقد خلفتموني بعدكم   أخا وله حيران في مهمه قفر
كئيبا كأن الأرض حلقة خاتم   علي, ومن لي بالتجلد والصبر
فلو أبصرت عيناك مابي من الأسى   وما بضمير القلب من ألم الجمر
لأحزنكم حالي وفرط تشوقي   وشدة ما ألقاه من فادح الضر
يمثلك الفكر المروع من النوى   فأرتاح إذ يبدو خيالك في فكري
ويدنيك مني الوهم حتى كأنني   أناجيك من فرط التشوق والذكر
تحن إلى مأوى السيادة والعلا   فقابلها من معهود برك بالبشر
وحقك ما أرض الجدار بموطني   ولكن قضاء حم من مالك الأمر
ألا ليت شعري هل أرى ذلك الحما   وأنتم بأفلاك السيادة كالزهر
وهل أتركن يوما تلمسان راحلا   عليها إلى تلك المعاهد والوكر
فتدرك آمال وتقضى مآرب   وينسخ حكم البؤس والعسر باليسر
على أنني لو سرت عنها لأصبحت   نوازع أشواقي لها أبدا تسري
ولم لا؟ ولي فيها إمام معظم   أبو مدين قطب المشايخ والعصر
إمام له في حضرة القدس مقعد   ينزه عن زيد هناك وعن عمرو
وإخوان صدق يكرمون جليسهم   ويولونه ما يستحق من البر
وخذها على ما في الحشا من كآبة   حديقة شعر جادها صيب الفكر
من الأندلسيات طبعا ورقة،   تحاكي اطراد الماء وصفحة النهر
من الكلم المنخول بالطبع لفظه   يروق كما راقتك صافية التبر
يود الغواني لو ظفرن بدرها   ليجعلنه عقدا على لبة النحر
كلاما كما نمنمت وشيا مفوقا   صنيع فتى فاق في صنعة الشعر
يميل ابن زيدون لها طربا بها   كما مال نشوان نزيف من السكر
ولو راسل الأحباب يوما بشعرها   لما ذاق من ولادة مضض الهجر
ويهوى ابن عمار صناعة حوكها   و طبق معانيها لألفاظها الغر
هدية من قد شط عنكم مزاره   تجوب إليكم كل مستحسن وعر
سباسب جرد تعزف الجن حولها   ويخفق فيها القلب من شدة الذعر
صحاصح تشكو الخيل من طولها الوجا   مجاهل ضلت في فلاها القطا الكدر
وحيي على بعد المدى بتحية   معطرة الأذيال طيبة النشر
أجله أعمامي وأهلي ومن له ان   تماء إلى غوث الورى ابن أبي بكر
وقل لهم إني على العهد ثابت   مقيم عليه ما حييت إلى الحشر
وعذرا فإن البين حير فكرتي   ولله أشكو ما تضمنه صدري
فلا زلت في أمن وعز مؤبد   موقى مدى الأيام من نكبة الدهر