من ديوان
ديوان إدريس بن محمد بن إدريس العمراوي ( - 1296 هى) ( - 1878 م)
للشاعر
بديعي
وبعد فقد بلغنا من أخبار متعاضده, وطرق عن التحامل متباعده, أن خطه القضاء والإفتاء صارت ملعبه ومتجرا, لايعرف أصحابها فيها سلأمه ولا ضجرا, وأن الرشا فيها تقبض سرا وعلانيه, والأحكام تصدر بنيه وبلا نيه, قد عدل فيها عن منهاج العدل, من غير اكتراث بتأنيب ولا عذل, والحقوق نزلت بمعرض الضياع, والمراتب المعظمه بهذه البقاع, سارت كسراب بقاع, وأن بعض القضاه حمله ما حمله, الي التطاول للدعاوي البعيده منه واستجلاب القضايا المصروفه عنه, وتوجيه أعوانه للإتيان بالخصماء من البلاد التي قضاتها لهم الاستقلال, ولم يصده عن الترامي لذلك ما لايستقل به من الأثقال, مع العلم بأن من صرفت عنه قضيه, فقد صرفت عنه بليه, لو لم يكن الغرض الدنيوي الذي أغراه, والشره الذي استحوذ عليه وأغواه, حتي ظهرت علي القضاه امارات الغني والرفاهيه, ودهتهم من الميل للزخارف كل داهيه, وتبختروا في الحلل والنمارق, وذهلوا عن الأثر المأثور (من ولي القضاء ولم يفتقر فهو سارق) كما بلغنا أن طائفه من العدول أذن لهم في الشعاده افتياتا من غير اعتبار للشروط التي شرطناها, ولا وقوف مع الحدود التي بيناها وحددناها, واتخذ منهم ومن الأعوان والوكلاء أشراك للطمع, وجسور بناها التهور والهلع, يمر ما يلمز بأجره الخطاب وحق العلم وتعد للاستئثار بها حالتي الحرب والسلم, هذا مع أنا بالغنا في اختياركم لتطهير الصحيفه, وابعاد ساحه الشريعه عن الأمور الشنيعه المخيفه, واختبرنا وخبرنا وانتقينا وأبقينا, ولكن صدق الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم (الناس كإبل لا تكاد تجد فيها راحله)
اني لأفتح عيني حين أفتحها علي كثير ولكن لا أري أحدا
فإذا كان أهل العلم تصدر منهم هذه الفعال, فأي شيء تركوه للجهال, وإذا كان منصب الشريعه تحاز به البراطيل وتبدو من جانبه الرفيع هذه الأباطيل, فأي ملام يتوجه علي عامه الناس, علي اختلاف الأنواع والأجناس.
من غص داوي بشرب الماء غصته فكيف يصنع من قد غص بالماء
كيف ولم تزل تتلي عليكم أيات كتاب الله, وأحاديث رسول الله, أأنتم عنها ساهون أم أنتم عن التذكره لاهون, أفلا تتدبرون قول الله: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الي الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون) وقوله صلي الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي والرائش أي الذي يمشي بينهم... هذا واسألوا عن سيره من تقدم من قضاه هذه الحضره المراكشيه كالفقيه السيد محمد عاشور, والفقيه السيد الطالب بن حمدون, فقد كانوا من الدين والخير بمكانه, وأعطوا الخطه حظها من العفاف والصيانه, وخرجوا منها بيض الصحائف حمر الوجوه, فأعرفوا فضلهم, واقتفوا سبيلهم, وتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم, واعلموا أننا بحول الله لا نزال نبحث عن أحوالهم بالتنقيب والتنقير, ونعاملكم بالتحذير قبل التعزير, وباللين ثم الجد, وبالصفح ثم الحد, لأن الله كلفنا بكم, وسائلنا عنكم وأمور الشريعه عندنا أهم من كل مهم وأكد من كل أكيد, وما علي هذا من مزيد, ان أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
|