خطاب شديد اللَّهجة إلى ابن بطوطة (1) تشُقُّ القفارَ كطيفِ المُزُنْ وتُضني الركائبَ ، ظهرَ السُفُنْ إلى أن ملامحُ وجهكَ صارت شراعاً وقلبُكَ أضحى مضيفةْ : تُحِبُّ المطاراتِ، جرَّ الحقائبْ لتنسى اشتياق المُدُنْ (2) إلى أين يرحَلُ فيكَ الرحيل؟ متى يستريحُ مِن الركضِ نحو السحابِ، لُهاثُ النخيل؟ وَبَعْدَ الغروبِ، تُرى أينَ تسكُنُ شمسُ الأصيلْ؟ أَتُهدي إلى الناسِ صُبحاً جديداً؟ متى تستقرُّ مسافِرَةٌ قد مضى عُمرُها في ارتحالٍ وما حَلُمَتْ - قبلَ أنْ ينطَفي وهجُها وسناها - بإغفاءَةٍ تحتَ ظلِّ المقيلْ! (3) تُرى ما الذي قد نذرتَ بِأنْ تَغنمَ الحظَّ منهُ، حَمَلت سنينَ الشبابِ سِلالاً، جَرَيْتَ بها خلفَ نَقْعِ غُبارِ الدُّروبِ لتجني فُلُوْلَهْ تُرى ما الذي لن تجدهُ على العَتَبَاتِ التي فوقَها قد خطَتْ أبجديَّاتُ قَلبِكْ؟ عليها تَدَحْرَجَتِ الأمنياتُ، انطلاقُ الطُّفُوْلةْ تُرى ما الذي لن تَجِدْ في الوجوهِ، القُلوبِ، الحواري، البُيوتِ التي أَلِفَتْكَ وأَنتَ ألِفْتَ التي أرضَعَتْكَ حليبَ الحنانِ، سَقَتْكَ فَناجينَ شايِ الصداقةِ، في العَتَماتِ أضاءَتْ لكُم وَحْشَةَ الطُرُقاتِ التي قد عَبَرْتُم سَوِيّاً إلى شُرُفاتِ الرُّجولةْ أَتَتْرُكُها كي تُرَقِّعَ تِسعاً وَ عِشرينَ ثُقْباً على جسمِ خيمتِكَ المُتْعَبَةْ بِظِلِّ براويزَ تسكُنُها أوجُهٌ لَيْسَ تَعرفُها لأُناسٍ غريبينَ، لهجَتُهُم ما استَطَعتَ مُحاكاتها ليس تُشبِهُ لَحْنَ الحَديثِ الذي ما تَتَأْتَأَ قَلبُكَ يوماً بِهِ لُغَةَ الأرضِ، نَبْضَ الترابِ، الكلامَ الحقيقيِّ ذاك الذي لا تضيءُ النهاراتُ حتى تَقولَهْ تُرى أيُّ ذَنْبٍ جَنَاهُ الثباتُ، السُكُونُ عَلَيْكَ؟ ألا تَتَعَوَّذُ باللّهِ من هَمَزاتِ الشياطِينِ هلاَّ استَجَرْتَ بِهِ مِنْ وَساوِسِ نَفْسٍ مَلُوْلَةْ؟ (4) وها أنتَ ذا بعدَ أن أنهَكَتْكَ الفيافي وَقَفْتَ على حافَّةِ الأرضِ تطوي خرائطَ سِرْتَ على كُلِّ دربٍ بها ونَصَبْتَ الخيامَ بِمَنفىً قَصِيٍّ تَخيَّرْتَ خلفَ جميعِ المنافيْ لِتَعْرِفَ كَمْ مِن مراسيلَ شوقٍ سَتَحْمِلُها نَحْوَ بابِكَ قافلةٌ لا تجيءْ أيا صاحِبي ... فَلْتُنِخْ - بعد طولِ الوقوفِ - رواحِلَ وَهمِكْ أيا صاحِبي مِِثلما قَد نسيتَ سَتَنْسى الرسائِلُ تَنْسى القوافِلُ لكِن سَتَذْكُرُ - مهما نَسِيْتَ ومهما نُسِيْتَ - بُكائاتُ أُغنيةٍ في حنينِ القوافي