وقفـتُ يوماً على التّاريخ أسْألـه
إن كان جَاز على أعتَابه عُمـر؟
فقــال ذلــكَ تاريـخ بـرمّتـهِ
أنا بـه صفحـة بـل إنّني خَبَـر
أشاد بالعـدل بين الناس   دولتـه
وساسهم بالتّقى والحزم فانْبهَروا
لله در أبـي حفـص لقـد تعبَـت
من بَعْده خلفاء الأرض ما قدروا
على المضـيّ بدرب   خطه عُمـرٌ
لساسة الناس حتى يَنعـم البشـر
حاشاه عثمـان بل حاشا أبا حَسَن
الراشـدان فطابت منهما السِّيَـر
إنـي إليـك   أبا حفـص ليحمِلني
شـوقي وإني عن التقصير أعتذر
فكـل ما كتـب الكتّاب أو نطقـت
به القصائد في الفـاروق مختصر
فأنـت من قد غـدا للدّين مسْتنداً
إسْـلامه وبه أهلوه قد جهَـروا
من بعد   إخفائهم إيّاه خـوف أذىً
فحين أسلمتَ عزَّ القوم وانتصروا
أخفى الكثيرون خوف البطش هجرتهم
وأنـت أعلنتها والكفـر منْدحـر
يكفيك   إخبار خير الخلق عن فرق
الشيْطان منك إذا لاقاك يا عمَـر
فتـلك قـوة إيمـان يُضـاف لها
بأسٌ شــديدٌ بأمـر الله يَأتمِـر
والبأسُ في صادق الإيمان مفخرة
لـذا فـإنك للإســلام مُفْتَخَـر
لاسيّمـا حينمـا تلقـاه مُقتـرناً
بخشيَـة الله والتقـوى لها أثَـر
كالحال عندك إذ تقـواك صادقـة
فأنتَ تخشى عقاب الله لو عَثروا
والآي قد وَافق الآراء   مـن عُمر
أنعِم بمن وافقـت أراه السّــور
واسْأل عن الصّبية الجوعى تعلّلهم
أمّ رؤوم بقِـدر مِلـؤها حجــر
أسرعتَ حين علمت الحال تنقذهم
هذا الدقيق وهذا السّمن فانتظروا
وَصرت   تنفخ نار القِـدر توقدها
وقد يصَافح   منها اللحيَـة الشّرر
أكرم بها   لحيَةً ذُرّ الرمـاد بهـا
من نار أم اليَتامى هاطـلٌ غـزر
خافت من النار في الأخرى فأمَّنها
منها المهَيمِـن لا هـمّ ولا كَـدَر
وأربح الناس من نمَّـى تجـارته
مع الذي يعْلم   البادي وما ستروا
خطبْت يوماً فقالـت منهم امـرأة
خالفت ما جاء في القرآن يا عُمر
وذكَّـرتك بما   قـد كنتَ ناسـيه
والمرءُ من شأنِه ينسـى ويَدَّكـر
فعـدتَ للحـقّ لمـا ذكَّرتك بـه
وقلتَ   إني عن التحْـديد أعتـذر
وليس مستغـرباً ما قد أتيـتَ به
فأنـت ممن إذا ما ذكِّـروا ذكروا
والعـدلُ بعد رسُول الله أنـت به
بين الخلائق   حتى اليوم مُشتهِـر
وسـل أخا الفرس إذا ألفاك مضطجعاً
وليس حولك إلاّ الريـح والشّجـر
وكان يعرف من أسْـياده بَطـراً
فهالـه أن رأى ما ضـده البطَـر
خليفـةٌ وأميرُ المؤمنـين يُـرى
ينـام لا فَـرَقٌ يبْـدو ولا كــدر
لا فرو لا ريش بل بالترب مَرقده
وأين؟ وسْـط خـلاء ما به بشَـر
أين الحراسـة؟ إن الله يحـرسه
والله حافـظ من بالأمـر يَأتمــر
فقـال مُرسَل كسْرى قولةً ذهبـت
من بعْـده مثلاً يُـروَى ويُعتَــبر
"أمِنتَ لما أقمـت العـدل بيْنهم
فنمتَ وحـدَك لا هَـمّ ولا ضجر"
وحين ماتَ رسول الله قلتَ لمن
قد جـاء ينعاه سيفي منك مُنتصر
إني سأضربُ   بالبَتّار هامة منْ
يقـول   أن رسُـول الله يحتضـر
نسيتَ ما جـاء في الآيات منْ فرط
الحبِّ الشديد   لخير الخلق يا عُمر
ولان قلبك للقـرآن   حِـين تلا
الصدّيق آية   أن المـوْت منتَظـر
عزفتَ عن هذه الدنيا وأنت بها
مُطاع أمـر   ومرهوب ٌ له خطـر
فما تلذّذت   من حَلـوى ولا أدم
ولا أتـى لك مـن بُسْتانه الثمـر
لكنّه الزيـت   أحياناً وأكثـر ما
يكون إدمـك هـذا الملح والكِسَر
ورغم   هيْبة كل القوم منك تُرى
وأنت بين يدي ذي العرش منكسر
ترجو نجاتك إذ تخشى محاسبةً
على الإمـارة   ما تأتي وما تـذر
وأنت بُشّرتَ بالجنّات فَاهْنَ بها
لكنَّ من عـرفَ الرحمـن ينكسر
من كان أعرفَ بالرحمن كان له
أشدّ خوفاً ألم تقـرأ "وَمَا قَدَرُوا"
يا أيّها القائد الصّنـديد يا بطلاً
دانت له الأرض منهـا السّهل والوعر
يا حاكماً دولة الإسلام في زمن
زادت   به فتـن كانـت به غِيَـرُ
يا مُلهماً   جعل التاريخُ يرمقـهُ
بعـين إجــلالِه حـبّاً ويفتخـر
بعَـدلِه. بمـزايـاه. بحكمتـه
وبالتقـى وبعَـزم   ليـسَ يَنـدثر
إني لأعجب من نفسي وكيفَ لها
تعْديد ما لا من الأمجاد ينحَصِـر؟
إني كمن غاص في بحـر ليجْمـع من
درٍّ فحـيــَّره أنْ   كلُّـــهُ دُرر
يا ربِّ إني أحب الصحب أجمعهم
حبّـاً عميقـاً   له في خافقي أثـر
أحبّهم فيـكَ يا ربي ومعْتمـدي
وحبّهم فيـكَ يوم الحشـر مُتّجـرُ
لكن حُبـي أبا حفص وسابقَـه
ولا حقيـهِ ومن   قد جاءنا الخـبر
بأنهُم بجنَـان الخلـد بشّـرهم
نبيّهم: ظاهـر في الناس مشتهـر
فامنُن عليّ بحشْري في معيّتهم
فالـورد ما ورَدوا والصّدر ما صَدروا
وفي الختام أرى يمناي قد شرفت
بخطّها أسْطـراً   يحلو بها النظـر
ببعض ذكر أبي حفص على عجَل
مما هو الآن في التاريخ مسْتطـر
إني أحـبّ أبا حفـص ويدفعني
إلى الكتـابة عنهُ   ذكـرهُ العَطـر