مَرحَى لهُم.. مَرحَى لهَا! كَبِرتَ قَبلَ أوَانِكَ يَا فَتَى وَشِختَ فِي الخَامِسَةِ وَالعِشرِين. وَمَا زَالَ عُودُكَ غَضَّاً طَرِيَّاً!؟ شَعرُكَ، الضَّاحِكُ فِي وَجهِ الرِّيحِ أبَدَاً ارتَدَى عَبَاءَةَ الشَّيبِ فَذَوَى! وَحِينَ أطفَأتَ جَمرَتَينِ بَعدَ الثَّلاثِينَ وَصَارَتَا رَمَادَاً.. فِي مَوقِدِ حُزنِكَ المُستَدِيمِ؛ بَكَيتَ وَحِيدَاً وَلَم يَبكِ مَعَكَ أصدِقَاؤُكَ الطَّيِّبُون؟! حَمَلتَ الهَمَّ صَغِيَراً، أضنَاكَ التَّعَبُ صَغِيَراً، وَأدمَنتَ السَّهَرَ صَغِيَراً، بَكَيتَ، عَشِقتَ، جُعتَ، بَرَدتَ كَثِيرَاً وَصَغِيَراً كُنتَ فَلا صَدرُ أُمِّكَ أدفَأَ قَرَارَةَ رُوحِكَ وَلا كَفُّ أبِيكَ القَصِيرَةُ حَامَتكَ! فَلِمَاذَا كَبِرتَ؟! وَصَغِيَراً كُنتَ تُقَمِّطُ أحلامَكَ فِي الصَّبَاحِ وَفِي المَسَاءِ، كُلَّ مَسَاء تَنثُرُهَا بِهُدُوءٍ أمَامَ عَينَيكَ وَبَعدَهَا تَختَارُ حُلمَاً وَاحِدَاً بِطُولِ قَامَتِكَ فَتَحضُنُهُ وَتَنَام؟! وَهَا أنتَ الآنَ، وَحِيدَاً بَعدَ اثنَينِ وَثَلاثِينَ خِنجَرَاً ضَاقَ بِهَا قَلبُكَ الصَّغِيرُ وَمَا رَحُبَ يَومَاً - أيُّهَا الشَّقِيُّ - بِمِرآةِ فَرَحٍ، أو بِطَائِرِ السَّعدِ الجَمِيل!؟ مَرحَى لِحُزنِكَ المُقِيم، مَرحَى لِفَقرِكَ المَغلُولِ إِلَى عُنُقِكِ، وَلِعَينَيكَ المَبسُوطَتَينِ فِي المَدَى البَعِيد! مَرحَى لأهلِيكَ حِينَ أنكَرُوكَ فِي لَيلَةٍ بِلا ضَوءِ قَمَر! وَتَرَكُوكَ وَحِيدَاً تُقَلِّمُ أحزَانَكَ الفَارِعَات. مَرحَى لَهُم وَلأصدِقَائِكَ الطَّيِّبِينَ مَرحَى - وَقتَ الضِّيقِ - تَفَرَّقُوا سَحَابَةَ صَيفٍ! وَمَا هَمَّ أيُّهَا الشَّقِيُّ الحَرُون دَوَائِرُ حُزنِكَ تَتَّسِعُ كُلَّ يَومٍ وَحَصَاةُ فَرَحِكَ مَغرُوزَةٌ فِي الطِّين! الثَّانِيَةُ بَعدَ الثَّلاثِين وَقَلبُكَ كَالثَّلجِ مَا زَالَ نَقَيَّاً لَكِنَّهُ البَردُ وَالصَّقِيع، وَسَكَاكِينُ الحُزنِ العَتِيق! وَأُمُّكَ الحَنُونُ مَا عَادَت تَهُزُّ سَرِيرَكَ القَدِيم! فَمَن بَعدَ اليَومِ يُهَدهِدُكَ وَيَقرَأُ عِندَ رَأسِكَ (الحَمدُ) وَالمُعَوَّذَتَين؟! إِنَّا أعطَينَاكَ الهَمَّ، وَحَمَّلنَاكَ مَا لا طَاقَةَ لَكَ صَغِيرَاً فَانحَر حُزنَكَ، وَاغسُل رُوحَكَ كُلَّ يَومٍ بِالعِشقِ مَرَّتَين!؟ الثَّانِيَةُ بَعدَ الثَّلاثِين، كَبِرتَ كَثِيرَاً وَمَن عَشِقتَهَا أحَبَّت سِوَاكَ سَلَّمَت نَهدَيهَا لَهُ، فَجَرَى لَبَنُهَا خَمرَاً وَعَسَلاً وَعِندَكَ كَانَت عَجفَاءَ هَزِيلَة!؟ تَضِنُّ بِحُبِّهَا وَتَدِيرُ ظَهرَهَا لأولادِهَا المَسَاكِين! تَصُمُّ أُذُنَيهَا، تَغمِضُ عَينَيهَا وَإِن رَأتهُم قَادِمِين.. دَفَنَت رَأسَهَا فِي الرَّملِ، وَرَفَسَتهُم بِقَدَمَيهَا! مَرحَى لَهَا الغَافِيَةُ عَلَى ضِفَافِ القَلبِ أَبَدَاً مَرحَى لَهَا، نَكَّارَةُ الجَمِيل قَتَّالَةُ أولادِهَا عِشقَاً وَهَجرَاً مَرحَى لَهَا.. مَا عَادَت طَيِّبَةَ القَلبِ كَانُوا جِرَاءً وَدِيعَة. يَتَمَرَّغُونَ بِحُضنِهَا، يَدفِنُونَ وُجُوهَم فِي فَروِهَا وَعَلَى أثدَائِهَا يَتَدَافَعُونَ، يَتَعَارَكُون فَلَبَنُهَا طَيِّبٌ فِي كُلِّ حِين. لَكِنَّهُم، حِينَ كَبِرُوا جَمِيعَاً مَزَّقُوا ضَرعَهَا وَدَفَرُوهُ بًعِيدَاً وَمِن يَومِهَا أصبَحَت كَلبَةً مَسعُورَةً أيُّهَا الشَّقِيُّ الحَرُون!!؟ فَمَرحَى لَهَا، وَمَرحَى لَهُم، وَمَرحَى لِوَفَائِكَ أيُّهَا الفَتَى العَجُوز؟!