هُوَ الحُزن.. هُوَ الحُزنُ يَفجَعُنِي كُلَّ حِينٍ بِمَوتِ صَدِيقٍ عَزِيز!؟ هُوَ الحُزنُ يَا أصدِقَائِي يُرَاوِدُنِي كُلَّ حِينٍ، وَيَقتُلُنِي بِهُدُوءٍ عَجِيب! هُوَ الحُزنُ، حِينَ يُنَاوِشُ قَلبِي رُوَيدَاً رُوَيدَاً فَيَقتَلِعُ الفَرَحَ المُتَنَاثِرَ فِي طُرُقَاتِ فُؤَادِي الكَئِيب؛ يَقُضُّ خُيُوطَ الفُؤَادِ بِخِنجَرِهِ المُتَآكِلِ كُلَّ مَسَاء. وَهَذَا المَسَاءُ - وَحِيدَاً - يَفَاجِئُنِي بِارتِحَالِ عَزِيز فَيَا لَلَفَجِيعَةِ يَا رَبعُ حِينَ الفُرَاتُ يَنُوحُ عَلَى فَقدِ مَن كَانَ عِشقُ الفُرَاتِ بِأنفَاسِهِ يَستَرِيح. هُوَ الحُزنُ يَا رَبعِيَ الطَّيِّبِين فَمَن لِي إذَا مَا تَخَطَّفَهُم وَاحِدَاً وَاحِدَاً وَتَخَيَّرَهُم بِهُدُوءٍ عَجِيب؟ لَكَ الحَمدُ مَا شِئتَ قَدَّرتَهُ فِي قَرَارٍ مَكِين لَكَ الحَمدُ مَا شِئتَ فَافعَل فَأنتَ الأمِينُ عَلى الرُّوحِ سُبحَانَ عَرشِكَ حِينَ تَشَاءُ تُرِيد. هُوَ الحُزنُ يَا دَيرُ يَغشَاكِ كُلَّ مَسَاءٍ أَمَا تَشبَعِينَ؟! وَنَهرُ الفُرَاتِ يُوَدِّعُهُم وَاحِدَاً وَاحِدَاً هُوَ الحُزنُ.. فِي مَائِكِ العَذبِ يَجرِي لِذَا كُلُّ أبنَائِكِ الطِّيِّبِينَ حَزَانَى عَلى الرَّاحِلِين. فَلا الدَّمعُ يُجدِي مَدِينَةَ حُبِّيَ العَظِيم وَلا الحُزنُ يَكفِي إِذَا مَا تَنَاثَرَ فِي الجَوِّ كُلَّ مَسَاءٍ، تَنَفَّسَ فِي الرُّوحِ مِثلَ نَسِيمِ الصَّبَاح. هُوَ الحُزنُ، حِينَ يَمُدُّ جَنَاحَيهِ فِي الأفقِ، يَنثُرُ رَائِحَةَ الطِّيِّبِينَ، وَيَبعَثُ ذِكرَاهُمُ الخَالِدَة. فَيَا صَحبِيَ الطِّيِّبِينَ فِرَاقُ حَبِيبِ الفُرَاتِ عَلَيَّ عَظِيم. فَمَن لِي.. إذَا مَا تَذَكَّرَهُ الصَّحبُ فِي مَجلِسٍ ضَمَّنَا بَصَفاءٍ وَدُودٍ كَرِيم؟ وَمَن لِي إذَا هَاجَ ذِكرُكَ غَيرُ الدُّمُوعِ بِصَمتٍ رَسَمنَا حُدُودَهُ ذَاتَ مَسَاءٍ جَمِيل.. فَطُوبَى لِعَينَيكَ كَانَ الفُرَاقُ سِرَاعَاً، وَلَمَّا.. - مِنَ الصَّبرِ - نَأخُذ سِوَى القَلِيل!؟