للشاعر
محمد حسين حداد
بقايا إنسان..
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
وَجهِي تَحَطَّمَ..
هَشَّمتُهُ بِيَدَيَّ هَاتَين!
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
أبحَثُ عَن تَقَاطِيعِهِ بَينَكُم
فَمَن يَدُلُّنِي عَليهِ
وَمَن يُعَرِّفُنِي عَليهِ
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
ليسَ لِي عَينَانِ كَي أرَاكُم بِهِمَا
أطفَأتُ عَينَيَّ بِيَدَيَّ هَاتَين!
كَي لا أرَى مَا حَلَّ بِكُم
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
ليسَ لِي أذنَانِ كَي أسمَعَكُم بِهِمَا
أُذنَايَ مَقطُوعَتَانِ,
كَيفَ أسمَعُ مَا تَقولون؟
قَطَعتُهُمَا بِيَدَيَّ هَاتَين!
كَي لا أسمَعَ صَوتاً نَشَازَاً
يَصدُرُ مِن بَعضِكُم
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
ليسَ لِي أنفٌ كَي أشَمَ رَائِحَتَكُم
كانَ لي أنفٌ كَبيرٌ
جَدَعتُهُ بِيَدَيَّ هَاتَين!
يُزَيِّنُ وَجهِي, وَأَعرَفُ بِهِ
وَأنَا الآن بِلا أنفٍ جَمِيلٍ
فَكَيفَ أشُمُّ رَائِحَةَ الأرضِ حِينَ تَطؤهَا أقدَامُكُم؟
كيفَ أشُمُّ رَائِحَةَ العُشبِ, وَالنَّخلِ,
وَالزَّيتِ وَالزَّعتَرِ,
وَ..
رَائِحَةِ العَرَقِ المُتَبَخِّرِ مِن آبَاطِكُم وَجِبَاهِكُم
كيفَ أشُمُّ رائحة أمي
وزوجتي,
وطفلتي..
كيفَ أشُمُّ رائحة خبز التنور
وَأنَا الآن بِلا أنفٍ
كيفَ أشُمُّ رَائحَةَ أبي
وَأخِي,
وَاِبنِي..
وَرَائحَةَ الدَّمِ حِينَ يَنزِفُ مِن جِرَاحِكُم
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
ليسَ لِي فَمٌ كَي أُكَلِّمَكُم
شَفَتَايَ مَشرُومَتَانِ!
كَيفَ أهمِسُ فِي أُذنِكُم, وَبَينَكُم
بِكَلامِيَ المَعسُولِ؟
كَيفَ أُقَبِّلُ يَدَ أمُّي, وَرَأسَ أبِي
وَجَدِّي..
كَيفَ أُقَبِّلُ أخِي حِينَ يَعُودُ مِن السَّفَر
وَأُختِي, وَجَدَّتِي
كَيفَ أُقَبِّلُ شَفَةَ حَبِيبَتِي
وَأُدَاعِبُ أُذنَ طِفلِي
فَقَدتُ شَفَتَيَّ لأنَّنِي حَاوَلتُ يَومَاً أن أبتَسِمَ
فَمَن سَيَبتَسِمُ فِي وَجهِي بَعدَ الآن؟
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
ليسَ لدَيَّ لِسَانٌ
لساني مَقطُوعٌ, فَكيفَ أُحَدِّثُكُم؟
أنَا ليسَ لدَيَّ لِسَانٌ
لأنَّنِي يَومَاً مَا قُلتُ: لا
فِي وَجهٍ لا يَعرِفُ مَدَى حُبِّي لكُم
قُلتُهَا فِي أُذنٍ لا تُرِيدُ سَمَاعَ صَوتِكُم
كَانَت قُنبُلَةً فَاجَأتِ الجَمِيعَ
لِذَا فَقَدتُ لِسَانِيَ الطَّويل!
فَكيفَ أُحَدِّثًكُم الآنَ, وَمَن يَفهَمُنِي؟
أنَا الآنَ بِلا وَجهٍ,
أنَا الآنَ, كَمَا تَرَونَ
بَقَايَا إِنسَانٍ فَهَل تَعرِفُونَنَي
أم, مَن أنَا
لا تَعرِفُون؟!
|