ولد بليغ عبد الحميد حمدي مرسي في حي شبرا – من جذور تمتد لصعيد مصر – في 7 أكتوبر 1932 ۔ و كان والده يعمل أستاذا للفيزياء في كليه العلوم بجامعه فؤاد الأول ( جامعه القاهره حاليا ) ..
بدأ شغفه بالموسيقي يظهر منذ الصغر ۔ حيث أتقن العزف علي العود ۔ ولم يكن يتعدي التاسعه من العمر ۔ وفي سن الثانية عشر حاول الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي ۔ الا أن سنه الصغير حال دون ذلك ..
التحق بمدرسه شبرا الثانويه ۔ في الوقت الذي كان يدرس فيه أصول الموسيقي في مدرسه عبد الحفيظ امام للموسيقي الشرقيه ۔ ثم تتلمذ بعد ذلك علي يد درويش الحريري و تعرف من خلاله علي الموشحات العربيه ..
بعد انتهاء الدراسه الثانويه ۔ التحق بليغ بكليه الحقوق و درس – في نفس الوقت - الموسيقي بشكل اكاديمي في معهد فؤاد الأول للموسيقي ( معهد الموسيقي العربيه حاليا ) ..
كان السيد ( محمد حسن الشجاعي ) مستشار الاذاعه المصريه في ذلك الوقت يري أن بليغ يصلح لأن يكون مغنيا ۔ و أقنعه بترك دراسه الحقوق ومحاوله احتراف الغناء ۔ وعهد اليه بالغناء في بعض برامج الاذاعه وبالفعل سجل بليغ أربع أغنيات للاذاعه من ألحان عبد العظيم محمد / رؤوف ذهني / محمد عمر و فؤاد حلمي ..
و كان تفكير بليغ متجها صوب مجال موسيقي أخر ۔ ألا و هو مجال التلحين – و ليس الغناء – و لحن في عام 1954 – بناء علي هذا التفكير – أغنيتين لفايده كامل-زميلته السابقه في كليه الحقوق- هما ( ليه لأ – ليه فاتني ليه ) وذلك من خلال فرقه ساعه لقلبك ..
توطدت علاقته بالفنان العظيم (محمد فوزي) ۔ الذي أعطاه فرصه التلحين لكبار المطربين و المطربات من خلال شركه (مصرفون) التي كان يملكها ۔ و في عام 1957 قدم بليغ أولي ألحانه لعبد الحليم حافظ (تخونوه) والتي كان من المفترض أن تغنيها ليلي مراد في البدايه ..
كانت النقله النوعيه لبليغ عندما التقي بسيده الغناء العربي أم كلثوم ۔ التي اختارته من بين عشرين ملحن شاب علي الساحه وقتها ليكون مرحله متطوره بعيدا عن السنباطي ۔ و كان عام 1959 هو عام فاصل في حياه بليغ الفنيه حيث قدم لكوكب الشرق أولي ألحانه ( حب ايه ) و كانت بدايه مشوار طويل من الألحان الخالده و الموسيقي الأسطوريه امتدت من عام 1959 حتي عام 1973 و شملت الأغنيات التاليه ( حب ايه / ظلمنا الحب / أنساك يا سلام / كل ليله و كل يوم / بعيد عنك / فات المعاد / ألف ليله وليله / الحب كله / و أخيرا حكم علينا الهوي ) الي جانب أغنيه وطنيه وحيده بعنوان ( انا فدائيون )
تعانقت أنغام بليغ الساحره مع صوت حليم الشجي منذ نهايه الستينات وحتي منتصف السبعينات ليقدما معا مجموعه من أروع الأغنيات العربيه نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر ( جانا الهوي / الهوي هوايا / التوبه / علي حسب وداد / موعود / مداح القمر / زي الهوي / حاول تفتكرني / أي دمعه حزن لا / حبيبتي من تكون/ سواح / تخونوه / خسارة ) ..
التقي بليغ حمدي بالثنائي محمد رشدي و الأبنودي في مطلع الستينات وبدأ تفكيره يتجه صوب التراث و كنوز الموسيقي الفلكلوريه فعني بتقديم الفلكلور المصري بكافه أنواعه و أرتامه و جمله اللحنيه الشجية في صوره عصريه بعد ادخال لمساته الساحره عليه فقدم في هذا الاطار لمحمد رشدي من كلمات الأبنودي ( عدويه / بلديات / وسع للنور ) و من كلمات أخرين (ميتي أشوفك / مغرم صبابه / طاير يا هوي/ علي الرمله/ تغريبه ) وغيرها ..
تزوج من الفنانه ( ورده ) بعد قصه حب عنيفه ۔ و قدم لها ما يزيد علي الثمانين لحنا - صارت فيما بعد التاريخ الحقيقي لورده -نذكر منها ( خليك هنا / لو سألوك / مالي / دندنه / العيون السود / اشتروني / والله يامصر زمان / معجزه / ولاد الحلال/ حكايتي مع الزمان/ احضنوا الايام ) وغيرها الكثير .. الا انه تم الانفصال بينهما بعد زواج دام ما يقرب من السبع سنوات و بعد رحله فنيه هامه ..
تغني بألحانه الخلابة جميع المطربين و المطربات الذين كانوا علي الساحة وقتها ۔ و تحمل (بمفرده) عبء التلحين لجميع الأصوات لمده تزيد علي العشر سنوات أثر فيها الملحنون الكبار الصمت و الاكتفاء بما قدموه في مراحل سابقه
تعاون بليغ مع الفنانه شاديه في عده أعمال خالده تنوعت ما بين أعمال فلكلوريه و عاطفيه و وطنيه ۔ نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر (والنبي وحشتنا / اسمر و طيب يا عنب / زفه البرتقال / الحنه / قولوا لعين الشمس / عطشان يا صبايا / خلاص مسافر / و الله يازمن / حبيبتي يا مصر / أدخلوها سالمين/ أخر ليلي/ خدني معاك/ مكسوفه ) و الأغنيه الأشهر في تاريخ شاديه ( يا أسمراني اللون ) من الفلكلور الشامي
تعاون بليغ أيضا مع الفنانه نجاه و قدم لها عده أغاني رائعه ( أنا بستناك / كل شئ راح / الطير المسافر / سلم علي / ليله من الليالي / حلاوه الحب / الطير المسافر/ نسي/ في وسط الطريق/ سلم علي و غيرهم )
و كان للفنانه صباح نصيب كبير أيضا ۔ نذكر مثلا ( عاشقه و غلبانه / يانا يانا / زي العسل / جاني و طلب السماح / أمورتي الحلوه/ كل حب و انت طيب )
اهتم بليغ خلال مشواره الفني بالمسرح الغنائي و قدم عده مسرحيات غنائيه و أوبريتات استعراضيه كان أهمها ( مهر العروسه / تمر حنه / ياسين ولدي ) و الملحمه الوطنيه(جميله) من أشعار الشاعر المصري الكبير / كامل الشناوي ..
وضع بليغ الموسيقي التصويريه لكثير من الأفلام و المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية و الإذاعية .. فنذكر علي صعيد الأفلام الملحمة " الكورالية " (شئ من الخوف) و (أبناء الصمت / أه ياليل يا زمن / أضواء المدينة / العمر لحظه / الأبرياء / الزمار / إحنا بيوع الأتوبيس / دنيا عبد الجبار) ۔ و من المسرحيات (ريا و سكينه / زقاق المدق) والتي قام بتلحين أغانيها أيضا۔ و كانت أخر أعماله الموسيقي التصويريه والألحان للمسلسل المصري الشهير (بوابه الحلواني ) ..
كانت لبليغ أياد بيضاء علي صعيد الايقاعات و الأرتام الموسيقيه ۔ فقد استخدم خلال مشواره الفني الطويل معظم الايقاعات المصريه و العربيه المعروفه ۔ و كان له السبق في ابتداع العديد من الايقاعات المركبه و التي استخدمها أخرين بعده ..
كذلك اهتم بليغ بتطوير أداء الكورس و الأصوات البشريه المصاحبه للمطرب .. فأدخل - لأول مره - الأصوات البشريه في سياق الأغنيه ذاتها لتعبر عن دراما النص ۔ و أفرد لها مساحات عده في ألحانه الغزيره , وكتب جملا خاصه بها بعيده عن الجمل الموسيقيه التي يؤديها المطرب .. وله السبق في اقناع كوكب الشرق أم كلثوم باستخدام الكورال في احدي أغنياتها العاطفيه و هي أغنيه ( حكم علينا الهوي ) ۔ و كانت أخر أغنيه تؤديها ..
تميز بليغ بموهبه متدفقه في التلحين ۔ و ثراء لحني و موسيقي لافت للنظر ۔ حيث أتم ما يقرب من الألف و خمسمائة لحن من كافه الأشكال والقوالب الموسيقية التي انتشرت في عصره من أغنيات عاميه و قصائد واوبريتات و موسيقي تصويريه للأفلام و المسرحيات ۔ و ذلك كله في عمر فني قصير بالقياس لغزاره ألحانه ..
تميز بليغ أيضا من الناحيه الموسيقيه ۔ بقدرته علي وضع أي صوت يلحن له في الاطار الموسيقي الصحيح ۔ و الذي يبرز امكانيات المطرب الصوتيه وشخصيته الفنيه علي النحو السليم ۔ مما يصل به – و بالأغنيه بالطبع – الي وجدان و أذهان المستمعين من أقصر الطرق .. و لهذا ظلت دائما أعمال بليغ لكافه المطربين و المطربات بمثابه ( أعمالهم الخالده ) و التي ارتبطت في أذهان الجماهير باسمائهم ..
يعتبر بليغ من أكثر الفنانين المصريين وطنيه و اخلاصا و حبا الي درجه الهيام لمصر و أهلها و نيلها ۔ و له مواقف وطنيه لاتنسي في أثناء فترات النكسه و الاستنزاف و حرب أكتوبر و علي امتداد حياته بشكل عام ۔ وكان من أغزر الموسيقين تلحينا لمصر و في عشق مصر و وزع ألحانه هذه علي جميع المطربين و غني و كتب بعضها بنفسه ۔ و نذكر من هذه الألحان علي سبيل المثال ( عدي النهار / البندقيه اتكلمت / فدائي / عاش اللي قال / بسم الله / أنا علي الربابه / عبرنا الهزيمه / يا حبيبتي يا مصر / و الله يا مصر زمان / رغم البعد عنك / لو عديت ) و غيرها الكثير ..
تميز بليغ بموهبه شعريه رقيقه ۔ اضافه لعبقريته الموسيقيه بالطبع وكتب العديد من الأغنيات تحت اسم ابن النيل ثم باسمه و شارك في كتابه العديد من الأغنيات الأخري التي قام بتلحينها
قدم العديد من الأصوات – و هي نقطه تحسب له بشده – نذكر منهم علي سبيل المثال : ( عفاف راضي / مياده الحناوي / علي الحجار / سميره سعيد / لطيفه ) و غيرهم الكثير ..
كانت أخر أحلام بليغ الموسيقيه ۔ عمل أوبرا مصريه ضخمه عن قصه (أخناتون) تقدم علي مسارح و أوبرات العالم المتحضر ۔ وتفتح الباب للموسيقي الشرقيه نحو الانطلاق لأفاق عالميه لاتحدها قيود محليه الا أن القدر لم يمهله لتحقيق هذا العمل العظيم ..
توفي بليغ في 12 سبتمبر 1993 ۔ عن عمر يناهز 61 عاما ۔ و نعته الأهرام في صبيحه اليوم التالي بقولها ( مات ملك الموسيقي ) ۔ و أعلنت وزاره الماليه المصريه انها بصدد طبع عملة تذكاريه باسمه الا ان ذلك لم يحدث حتي لحظه كتابه هذه السطور ! ..
|