1 ألكــونُ أصــبــحَ نــاشــراً لظــلامِــ والدهـرُ آذنَ بـانـقِـضـا وتَـمامِ
2 والعـيـشُ نـغـصـٌ والنـجومُ تناثرت نـجـمـاً فـنـجـما من نُشوبِ زُؤام
3 والعينُ لازمَها السُّهادُ منَ الأسى والعـقـلُ مِـن ولهٍ ضـجـيـعُ سُقام
4 والعــلمُ قـد لبِـسَ الحـدادَ إشـارةً لإصـابـةٍ فـي الديـنِ والإسلام
5 والبِــشــرُ ولَّى واســتــقـرَّ بـربـعِـه خُـزنـٌ وصـدعـٌ مـن جـيوشِ حِمام
6 لازالَ يـنـتـخـبُ الجـيـادَ مُـبـادِراً يَصبوا إلى الأشرافِ والأعلام
7 يـخـتـارُ كـلَّ يـتـيـمـةٍ فـي عِـقـدِهـا ويُــبــذُّ كــلَّ غــضَــنـفـرٍ مِـقـدام
8 لا غـروَ أن كـانـت جـيـوشُ هـجـومِـه قـد هـاجـمـت شيخَ النُّهى بسِهام
9 قـد هـاجـمـت حـصـنَ الشريعةِ مَن به كـانـت تُـقـامُ نـوازلُ الأحـكام
10 قـد هـاجـمـت طـوداً تـكـامـلَ نـعـتُه عــلَمَ الهُـداةِ وقُـدوةَ الحُـكَّاـم
11 صــدَر الصــدورِ زعـيـمَ كـلِّ كـريـمـةٍ ورئيــسَ عـلمٍ بـالمـفـاخـرِ سـام
12 عـجـبـاً لمـن كـان الجـمـيـع ببابِه والمـوتِ مـا هاب العُلا بحُسام
13 أعـنـي أبـا العـباسِ أحمدَ مَن بدا فـجـراً يـزيـلُ غـيـاهبَ الأوهام
14 شـيـخَ الجـاعـة عـمـدةَ الإسلامِ مَن أضـحـى له فـضـلٌ على الأقوامِ
15 هـــو عُـــدَّة للســالكــيــن وحُــجَّةــٌ هـو مَـرهَـمـٌ يَـشـفي منَ الآلام

16 حــبـرٌ أزاحَ بـعِـلمـه وبـفـهـمِـه عـن مـشـكـلٍ تُـلفـيـه كـلَّ لِثام
17 بـحـرٌ خِـضـمِّ بـالمـعارفِ والنُّهى تَــــروي جـــداولُه لكـــلِّ أوام
18 نـظـمَ الجـمـانَ على صدورِ صحائفٍ أسـلاكُـه تُـنـسـيـكَ حـسـنَ قَوام
19 رَتـقَ المـفـتَّقـَ مـن ثـيابِ مَفاخرٍ بــتــأنُّقــٍ قــد خـطـهـا لأِنـام
20 ورِثَ المـــــنـــــاقــــبَ كــــابــــرٍ والهـمَّةـَ العـليـاءَ فوق عِصام
21 مـا شـئتَ سُـؤلاً عـنه فهو أميرُه وجُــذيــلُه وعُــذيــقُــه بــدَوام
22 لو جــئتَــه وســألتَــه لَوجــدتَــه يُسدى الجواهرَ ساعةَ الإحجام
23 قد كان صدراً في الحديثِ مُعظَّماً عـنـدَ الملوكِ بغايةِ الإعظام
24 لا يـنـثني التحقيقُ عن أبوابِه سـهـلَ البـيـانِ مُسدَّدَ الأفهام
25 لايـخـتـشـي هَـدرَ الحَـسـود وشـرَّهُ فـالقـولُ حـقّـاً ما تقولُ حَذام
26 قـطـعـت جـهـيـزةُ قـولَ كـلِّ مُكابرٍ مـلأ الفـضـا بـتـنـازُعٍ وخِصام
27 لايـعـرفُ اللحـنَ البـذيَّ خـطـابُه أبـداً ولا حـشـواً بـطولِ كلام
28 كــم مـن عـلومٍ سـاسَـهـا بـتـدبُّرـٍ وتـــدرُّبٍ وتـــحــقُّقــٍ ونِــظــامِــ
29 كـــم مـــن تــآليــفٍ له وفــرائدٍ وفـوائدٍ فـي غـايـةِ الإحـكـام
30 آدابُــه أنــسَـت تـصـوُّفَ مـن مـضـى فـغـدا الجنيدُ له خديمَ مقام

31 لا يَــرتــئي غــيــرَ الكـتـابِ وسُـنَّةـٍ قـد قـام بالأعمالِ خيرَ قيام
32 لا يـــدَّعـــي دعـــوى بـــغــيــرِ أدلةٍ مـثـلُ الذي يـغـتـرُّ بـالأحلام
33 مــن كــاذبٍ مُــتــصــنِّعــٍ مــتــشــيــعٍــ مــتـشـبـعٍ فـي بـطـنِـه بـحُـطـام
34 قــد بــاع ديـنـاً كـي يُـصـيـبَ دنـيَّةـً يـصـطـادُ للبـسـطـاء صُنعَ لِئام
35 يُـبـدي المـقـالاتِ السخيفةِ لا يَرى عُـقـبـى ولا يَـخشى من العلاّم
36 لهَــفــي عــلى مـن كـان نـاشـرَ سُـنَّةـٍ يَحمي الحِمى ببواترِ الأقلام
37 لهَــفــي أبـا العـبـاسِ ليـس يُـزيـلُه مـا إن بـقـيـتُ تكرُّرُ الأعوام
38 فُجعَ الجميعُ بما جرى ودهاى الورى خَـطـبـٌ أصـاب لِصَـيِّبـِ الأحلام
39 فــالجــفــنُ يَــروى عــن فـؤادٍ واجـدٍ بــمــسـلسَـلٍ يـبـدو ودمـعٍ هـام
40 مَــن لِلحــوادثِ والخــطـوبِ إذا عَـرت مَــن للدَّواهــي سُـعِّرـت بـضِـرام
41 أغــصــانُ روضِ العـلمِ بـانَ ذبـولُهـا فـتَـسـاقـطـت مـصـفـرَّةَ الأكمام
42 تـبـكـي الفـرائضُ عـولُهـا وصـحـيحُها إذا كـان يُـبـدي سـرعةً لِسهام
43 والصـدقُ فـي الإنـتـاج فـارقَ سُـلَّماً جـمـعُ الجوامعِ قد كُسي بقَتام
44 والســـعـــدُ خَــان لراغــبٍ وتــبــدَّلت أبـراجُـه نـحـسـاً لفَـقـدِ إمـام
45 يــبــكــي خــليــلٌ للخـليـلِ بـلوعـةٍ وتـــأسُّفـــٍ وتــحــسُّرــٍ وهُــيــام

46 تَبكي الكراسي والمحابرُ والدفا ترُ والمعابدُ مِن فراقِ هُمام
47 يـبـكـي التَّفـننُ والتَّلطقُ والذَّكا يبكي الوقارُ له بكاءَ غمامِ
48 مَـن للبـوادي والحـواضـرِ والقُرى طُــلاَّبُ عــلمٍ نــحــوَه بـزِحـام
49 يروي الحديثَ مع الفروعِ وأصلِها وعـلومَ تـفـسـيـرٍ وعـلمَ كلام
50 يـروي الجـميعَ عنِ الدهاةِ بوَقتِه رضَعَ المعاليَ لم يرُم لِفطام
51 لا تــســألن عــن فـضـلِه وكـمـالِه فـالشـمسُ غيرُ خفيَّةِ الأَعلام
52 لو أنـنـي أطـنـبـتُ كـنـتُ مـقـصِّرـاً هـيـهاتِ ما وفَّى بذاكَ نِظامي
53 مَـن كـان مِـن بـيـتِ النُـبوةِ مَجدُه عَـظُـمَ المديحُ له بدون مَلام
54 حــلَفَ الزَّمــانُ لَيـأتِـيـنَّ بـمـثـلِه جُـنَّ الزمـتـنُ بـقوةِ الأسقام
55 غَـرَّ الزمـانَ عـمـائمـٌ وبَـرانـسـٌ وقـلانـسـٌ وتـمايُلُ الأجسام
56 وتـهـاتُـرٌ وتـجـاسـرٌ وتـعـاظـمـٌ مـثـلُ البـعـيرِ بذرِوَةٍ وسَنام
57 أمـا الخـيـامُ فـإنـهـا كـخِـيامهم والميزُ بالأوصافِ لا بِخِيام
58 مــاقــلتُ إلا الحــقَّ فــيـه وإنـه فـذُّ المـحـاسـنِ مالِكٌ لِزِمام
59 ســئِمَ الحــيـاةَ لِبـدعـةٍ ومَـنـاكـرٍ لَبَّىـ النـداءَ بـرغـبة وغَرام
60 والدُّر لِلأصــدافِ بــانَ حــنــيـنُـه مِـن قِـلَّةِ الرغَبات والأسوام

61 جـاءت جـمـاهـيـرُ المَـلا لِشـهـودِه طلبَ الرِّضى تَمشي على الأقدام
62 وتــسـابـقـت وتـسـارعـت جـثـمـانَـه حـمـلاً عـلى أعـنـاقِـها والهامِ
63 وتــنــازعَ التَّقــبــيـلَ كـلُّ مُـودِّعٍـ لِعــوامـلِ الإجـلالِ شـأنَ كِـرام
64 رجــعّ الغـبـيُّ بـغـيـظِـه مُـتـعـثِّرـاً فــي ذيــلِه مُــتــشـبِّثـاً بـرُغـام
65 نبكي بُكا الخنسا وما صخرٌ كمَن بـعِـظـاتـه يُـسـلي عـنِ الأجـرام
66 جـــاورتُ حُـــســـادي وجـــاوَر ربَّهــ نِـعـمَ الجـوارُ له بـدارِ مُـقـامِ
67 مَــن ســرَّهُ مـوتُ الفـقـيـدِ يـسـوءُه عـدَمُ الوصـولِ إلى عـزيـزِ مَرام
68 يـانـفـسُ صـبـراً فـارعَـوي وتـرحَّمي فـالمـوتُ دومـاً لا يَـفي بذِمام
69 خـفِّفـ مُـصـابَـكَ بـالذيـن تَـقـدَّمـوا فالعيشُ في الدنيا شبيهُ مَقام
70 إســأل إلاهَــكَ أن يــبُـلَّ ضـريـحَـه بـسـحـائبِ الرضـوانِ والإنـعـام
71 ويُـقِـرَّ عـيـنـاً بـالبـنـيـن تـفضُّلاً ويُــمِــدَّهُــم بـمـلابِـس الإكـرام
72 ويُـنـيـلَنـا أجـراً ويـحـفـظَ باقياً فـــي وحـــدةٍ وتـــعـــطًّفــٍ ووئام
73 ويـديـمَ عِزّاً بالأمير على الورى بـأبـي المـحـاسن بهجةِ الأيام
74 وابـنِ الرسـولِ حـليـفِ كـلِّ فـضيلةٍ فَـردِ المـكـارمِ نُـخـبـةٍ لِهِـشـام
75 ومُـحـبِّ أهـلِ العِـلم جـابـرِ كَسرِهم ومُــجـيـرِهـم مِـن جَـلمـدٍ وطَـغـام

76 مِـنِّيـ الصـلاةُ عـلى النبيِّ وآلِه وصــحــابــةٍ مــشــفــوعــةٍ بِـسـلام
77 يَـقـوى الرجـاءُ بـها لنيلِ تَصبُّرٍ ومَـــطـــالبٍ جَــلَّت ورفــعِ مَــقــام
78 إن رُمـتَ تـاريـخَ الوفـاةِ مُحبِّراً في النَّظمِ بعدَ التِّسعِ ضِف لِتَمام
79 قولي أبو العباسِ نحبَه قد قَضى سُـكـنـى الجِـنـانِ له حُـبِي بدَوام
80 يومَ القضاءِ وثاني عشرٍ قد حَكى لِوفـاةِ خـيـرِ الخـلقِ نـورِ ظـلام
81 لكــنــهــا بـربـيـعِ شـهـرٍ ثُـم ذا كـان الرحـيـلُ له بِـشـهـرِ صِـيـامِ
82 أعـظِـم بـه وفـقـاً أتـى وكـرامـةً وبِــشــارةً عُـظـمـى بـحُـسـن خِـتـام