من ديوان
ديوان عبدالسلام بن محمد الزموري الفاسي ( 1200 - 1279 هـ) ( 1785 - 1862 م)
للشاعر
بديعي
الحَمْدُ للهِ الَّذِي نعَّمَنَا = بِكُلِّ مَطْعُومٍ بِهِ أَطْعَمَنَا
وَ كُلِّ مَشْرُوبٍ لَذِيذٍ أَطْيَبِ = حُلْوٍ حَلاَلٍ كَالغَمَامِ الصَّيِّبِ
مِثْل الأَتَاي الوَنْدَرِيزِ مَذْهَبَهْ = عَلَى صَفَا صِينِيَّةٍ مُلْتَهِبَهْ
تَطَايَرَ الهَمُّ لَدَيْهِ وَ انْشَرَحْ = صَدْرُ الَّذِي يَشْرَبُهُ مِنَ الفَرَحْ
فَإِنْ يَكُنْ مُعَنْبَرًا فَذَاكَ فِي = مَذْهَبِنَا المَعْرُوفِ خَيْرُ مَا اصْطُفِي
وَ ذَا إلَى ثَلاَثَةٍ أَوْ أَرْبَعَا = مِنَ الأَحِبَّةِ وَ مَا زَادَ ادْفَعَا
مَا لَمْ يَكُنْ مُغَنِّيًا أَوْ مُطْرِبَا = أَوْ ذَا مَلاَحَةٍ يُرَى مُحَبَّبَا
فَهْوَ الَّذِي يُقِيمُهُ وَ يُحْسِنُهْ = وَ كُلُّنَا مِنْ يَدِهِ نَسْتَحْسِنُهْ
وَ إِنْ يَكُنْ مُنَعْنَعًا فَذَاكَ لاَ = وَ حَقِّكُمْ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلْمَلاَ
أَوِ لِلَّذِي أَوْلَعَ بِالحَنَّاوِي = أَوْ اشْتَكَى ضُرًّا فَلِلتَّدَاوِي
خُذْهُ فَدَتْكَ النَّفْسُ مِنْ قَبْلِ الطَّعَامْ = أَوْ بَعْدَهُ فَمَا عَلَيْكَ مِنْ مَلاَمْ
إِلاَّ إِذَا كَانَ الطَّعَامُ كُسْكُسَا = فَكُلُّ مَنْ أَخَّرَهُ فَقَدْ أَسَا
وَ وَقْتُهُ وَقْتُ سُرُورٍ وَ انْبِسَاطْ = وَ حَيْثُمَا دُعِي لِشُرْبِهِ النَّشَاطْ
وَقْتُ الصَّبَاحِ عِنْدَهُمْ مُسْتَحْسَنُ = لَكِنَّهُ بَعْدَ العِشَاءِ أَحْسَنُ
إِذْ وَقْتُهُ وَقْتُ فَرَاغِ البَالِ = وَ رَاحَةِ القَلْبِ مِنَ الأَشْغَالِ
وَ الأَمْنُ مِنْ كُلِّ ثَقِيلٍ يَدْخُلُ = أَوْ خَبَرٍ عَلَى النُّفُوسِ يَثْقُلُ
مَعَ اتِّسَاعِ الوَقْتِ لِلمُنَادَمَهْ = وَ لَذَّةِ الجُلُوسِ وَ المُكَالَمَهْ
وَ ذَاكَ فِي الصَّبَاحِ لاَ يَتَّفِقُ = وَ هُوَ مِنْ بَعْدِ العِشَا مُحَقَّقُ
أَكْرِمْ بِذَاكَ الوَقْتِ وَقْتِ الكُرَمَا = وَ إِنَّمَا اللَّيْلُ نَهَارُ النُّدَمَا
تُومِنُ فِيهِ مَعَ غَلْقِ البَابِ = وَ سَدْلِ مَا يَسْتُرُ مِنْ حِجَابِ
وَ اخْتَرْ لَهُ مِنَ الشُّمُوعِ الأَبْيَضَا = كَأَلْسُنِ الأَفْعَا إِذَا تَنَضَّضَا
عَلَى قِوَامِ حَسَكِ التُنْبَاكِ …= بِهَا يُرَى طُولُ الدَّيَاجِ بَاكِ
عَلَى دُخَانِ العُودِ إِذْ يَحْتَرِقُ = وَ مَاءِ وَرْدٍ عِطْرُهُ يَنْتَشِقُ
وَ لاَ أَرَى الأَتَايَ بِالقِنْدِيلِ = وَ الزَيْتِ وَ المِنْخَاسِ وَ المِنْدِيلِ
إِذْ كُلُّ أَمْرِهِ عَلَى النَّظَافَهْ…= قَدْ انْبَنَى وَ شَرْطُهُ اللَّطَافَهْ
لاَ سِيَمَا السَّاقِي الَّذِي يُنَاوِلُهْ = كَذَلِكَ الكَأْسَ الَّذِي نَسْتَعْمِلُهْ
وَ شُرْبُهُ عَلَى خَلاَءِ المَعِدَهْ = جَازَ عَلَى شَرْطِ حُضُورِ المَائِدَهْ
تَأْخُذُ مِنْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنْ = مِنْ قَبْلِ أَنْ تَشْرَبَ مِنْهُ حَلْقَتَيْنْ
وَ أَخِّرَنْهُ مُطْلَقًا حَيْثُ تَلاَ = مَا كَانَ مَالِحًا يُرَى مُخَلَّلاَ
وَ شُرْبُهُ عَلَى الشِّوَاءِ وَ الكَبَابْ = يَفْتَحُ لِلصِّحَةِ مِنْهُ أَلْفَ بَابْ(3)
1 - و شُرْبُه على اللحوم جَيِّدُ……لكنّه على الدجاج أَجْوَدُ
2 - و شُرْبُه على رُؤوس الضّأْن……مَشْوِيّةً شَأْنٌ و أيُّ شَأْنِ
3 - و شُرْبُه على الكُفوتِ المُعْجِبَهْ……أحْبِبْ به مِن مُشتَهى ما أطْيَبَهْ
4 - و شُرْبُه على الرَّغائف الّتي……بالزّبْد و العسل قد أعْمِلتِ
5 - أحْسَنُ شَيء نِلْتَهُ صباحا……و إن تُداوِمهُ تنل صلاحا
6 - و شاع بالكَعْب الغَزالي و ما……أشْبَهَهُ في سلكه قد نُظِما
7 - كالكَعْك و الغَريبة المُكرَّمَهْ……مَحْشُوَّةً طَيِّبَةً مُنَعَّمَهْ
8 - و جوَّزوا البِشْكوتَ و هْو صُورَهْ……كذا القراشيل لَدى الضّرورَهْ
9 - يُخْتارُ للأتاي بابورٌ غَدا……بلونه الأصفر يحكي العَسْجَدا
10 - و رُجِّحَ البَقْراجُ عنه إلا……لعدْم مَن يأتي به و إلا
11 - إذا المَقامُ يقتضي البابورا……كأنْ تُرِدْ أن تُرْخِيَ السُّتورا
12 - و اخْتيرَ للبَقْراج ما يَحْمِلُهُ……مِن مِجْمَر الصُّفْر يكون مِثْلَهُ
13 - ذا أرْجُلٍ غَدا عليها واقفا……فيه من الماء الزُّلالِ ما كَفى
14 - و لا تَثِقْ بِصَوْتِهِ إذا غَلا……حتى ترى البُخارَ للجوِّ عَلا
15 - و انْتَخِبِ الصِّينِيَّة السَّنِيَهْ……مِنَ الكُؤوسِ قد غَدَتْ مَلِيَّهْ
16 - و قد جَرى العَمَلُ في الكؤوسِ……بأن تكون عَدَدَ الرؤوس
17 - برّادُها كأنّه شَيْخٌ غَدا……يُمْلي على الكؤوس منه سَنَدا
18 - و إن يَكُ المديرُ قَدْ حَازَ الجَمَالْ……فِي خُلْقِهِ و خَلْقِهِ فهْوَ الكَمالْ
شرب الأتاي مع الصباح البارد أحلى وأعذب من حبيب وارد
حتى النسيم إذا سرى فيه اكتسى طيب الهوا, يا حسنه من شاهد
والليل ليل الهم والأحزان قد نامت به عين الهزار الناشد
حتى إذا انفلق الصباح وأشرقت أنواره, طاب الورود لوارد
والليل عبد للنهار أسود يسطو عليه بضوئه المتزايد
والروض يصبح كالعليل تمايلت أغصانه فرحا بمعنى زائد
يحلو به شرب الأتاي لشارب ويطيب فيه لذيذ نوم الراقد
لو أنصفت ساعات أيام الدنى سجدت لهذا الصبح دون تردد
|